الترْجَمَةُ في السياق الغربي
لُغَةً واصْطِلاحاً واشْتِقَاقاً وَتَأريخاً
TRANSLATION IN THE WESTERN CONTEXT
LINGUISTIC
USES, TERMS, DERIVATION AND HISTORY
للإحاطة بلفظة "ترجم"، لا مناص
أولا من فتح باب التاريخ، تاريخ اللفظة، وتتبع تطورها والتوقف عند أهم محطاتها
لمساءلتها. ولفظة "ترجم" في السياق الأوروبي عرفت خمس محطات
رئيسية ساهمت في الآن ذاته في نحت المصطلح وتحديد المفهوم، مفهوم الترجمة، كما هو
معروف في عالم اليوم.
1. لفظة "ترجمة" في عصر الإغريق:
لم يترجم الإغريق في العصور الكلاسيكية ما أنتجته
الثقافات والحضارات المجاورة لها في الزمان والمكان ولم يهتموا للأمر. ومع ذلك،
وردت في معاجمهم، في البداية، لفظتان تحيلان على الترجمة بشقيها الشفهي
والكتابي: Meîapherein وHermeneuein، وهما اللفظتان اللتان عادتا للتداول اليوم في اللغات اللاتينية
والأنغلو-الساكسونية للدلالة على الاستعارة Metaphor أو التأويل Hermeneutics. وبعد ذلك، في وقت متأخر من عصر بلوتارخ، ظهرت كلمة Metaphrazein وهي أقرب ما تكون إلى كلمة To Paraphrase. وبذلك، مَوْقَع الإغريق الترجمة بين ثلاث
مجالات: مجال الاستعارة ومجال النشاط التأويلي ومجال إعادة الصياغة Reformulation مع إمكانية ارتباط الترجمة بنشاط واحد من الأنشطة
الثلاثة المذكورة. (1)
2. لفظة "ترجمة" في عصر الرومان:
عند الرومان، دلت لفظة Interpres على المترجم والمفسر على السواء. وكان في اللغة اللاتينية
العديد من الأفعال التي تفيد الترجمة مثل Transferre و Translatare اللتان تفيدان التحويل والنقل. لكن، في الوقت الذي أغفل فيه
الإغريق الترجمة، جعلت روما من الغرب مكان ولادة الترجمة ومهدها وعاصمتها. (2) في البداية ، ظل النشاط الترجمي بدون اسم يحدد
طبيعتها وبدون فعل يحدد أسلوب اشتغالها. يقول عالم النحو الألماني لومان Lohmann: "مفهوم 'الترجمة' راج مع الفيلسوف والكاتب
والخطيب الروماني شيشرون الذي استعمل، في غياب مفهوم أو
مصطلح محدد للترجمة في زمانه، عدة أفعال ومصادر من قبيل: vertere,
convertere, verbum e verbo, ad verbum exprimere, reddere, verbum pro
verbo reddere...
لذلك، كان الغرب هو المكان الأول الذي ولدت فيه هذه العلاقة الجديدة بين الإنسان
واللغة، الترجمة. (3)
المصطلح الروماني الذي فرض نفسه في نهاية العصور
القديمة وانتقل إلى العصور الوسطى كان هو مصطلح "الترجمة" Translatio مع الفعل "ترجم"، Translatare. لكن هذا المصطلح، في روما، لم يكن يعني فقط الترجمة من لغة
لأخرى، وإنما كانت له العديد من المعاني الأخرى. (4) إذ يمكن أن تعني كلمة Translatio تنقيل الأشياء وتنقل الناس ونقل الحقوق
أو القوانين ونقل المجازات والأفكار، وأخيرا الترجمة. أي،
أن لفظة "ترجمة" في اللغة الرومانية يمكنها أن تفيد النقل والتنقيل والتنقل بنوعيه
"المادي" و"الرمزي" على السواء. (5)
3. لفظة "ترجمة" في العصر الوسيط، عصر
البيزنطيين:
في القرون الوسطى، كانت لفظة "ترجمة"Translatio تعني
في سياقها اللاتيني حركة نقل وتنقيل وتنقل
وانتقال، كما في اللغة الرومانية القديمة. وبحكم هذه التعددية
الدلالية، استطاعت العصور الوسطى اللاتينية تطوير موضوع Translatio Studii. لكن،
رغم هيمنة لفظة Translatio كمقابل
ل"ترجمة" في نصوص العصور الوسطى الأوروبية، فإنها لم تستطع فرض
نفسها كمصطلح واحد وحيد ملازم لفعل الترجمة، (6) إذ كانت فرنسية القرون
الوسطى، أو اللغة الفرنسية القروسطية، تستعمل أفعالا من قبيل: espondre, turner, mettre en
romanz, enromanchier, translater (7) دون الفعل traduire الذي لم ير النور إلا مع بداية القرن السادس عشر الميلادي،
قادما من إيطاليا وعابرا فرنسا قبل أن يصل رفقة المصدر، Traduction، إلى اللغات اللاتينية المجاورة (الإسبانية والكتالانية
والبرتغالية والرومانية) فيما ظل المصطلح القروسطي،Translation ، شائعا ومُرَسما في اللغة الإنجليزية إلى يومنا هذا.
4. لفظة "ترجمة" في عصر النهضة
الأوروبية:
لفظتا Traduction وTraduire، كما
شاعتا في فرنسا في بداية القرن السادس عشر، كانتا موجودتين ومستعملتين منذ القرن
الخامس عشر ولكن فقط في المجال القانوني كقولنا "il a été traduit en justice":
"لقد قُدم إلى العدالة". أما لفظتا Traduction وTraduire بمعنى
"ترجم" "ترجمة"، فدخلتا اللغة الفرنسية عن طريق
"خطأ" ترجمي ارتكبه أحد أدباء إيطاليا القرن السادس عشر، ليوناردو برونيهLeonardo Bruni، سواء
كان ذاك الخطأ عن قصد أو عن خطأ في التأويل. فعند ترجمة برونيه للفعل
اللاتيني Tradūcĕre (الذي يعني في أصله اللغوي اللاتيني "نقل")
ضمن فقرة من فقرات كتاب آولو جيليه Aulu-Gelle "القروض اللاتينية في اللغات الرومانية" (8)، ترجم الفعل المذكور على أساس
أنه يفيد "ترجم" Tradurre بينما
سياق الفقرة يفيد أن الفعل اللاتينيTradūcĕre يعني "أدرج" Inroduire. (9) وقد حظي هذا "الخطأ" الترجمي أو
"التأويل" القرائي في بداية القرن السادس عشر باهتمام إنسانيي
عصر النهضة الأوروبية. فقد تلقفت أيدي المترجمين والباحثين الإنسانيين اللفظة
حديثة النحت Néologisme واعتمدتها
"مصطلحا" جديدا يحيل على "مفهوم جديد خاص بقطاع معرفي
جديد" وجدير بالاستقلالية التي طالبت بها بقية الفنون والعلوم والآداب في
عصر النهضة وانتزعتها.
فمن علوم عصر النهضة ما طالبت بالاستقلال
عن الفلسفة والإبداع الأدبي كما فعل النقد، ومنها ما طالبت بالاستقلال
عن الموسوعية كالعلوم التجريبية، ومنها ما طالبت بالاستقلال عن
التنجيم والخرافة كعلم الفلك، ومنها ما طالبت بالاستقلال عن
الأخلاق كما فعلت السياسة، ومنها ما طالبت بالاستقلال عن الدين...
لذلك، كان الوقت مناسبا لتبني مطلب استقلالية الترجمة عن باقي
المعارف التي تترجمها وتذوب فيها. أي، أن "خطأ" ليوناردو بروني
جاء في سياقه التاريخي المناسب وهذا ما يبرر إذ تبني الإنسانيين له
للتو. لقد كانت الغاية الكبرى هي السعي لتأسيس مناخ جديد تتنفس
فيها الترجمة بحُرية، وتتحرك فيه في كل الاتجاهات ناقلة رحيق الثقافات من لغة
لأخرى، وتشتغل بأدوات جديدة على خلفية فلسفة جديدة تكتسب
فيها الترجمة استقلاليتها عن باقي القطاعات المعرفية التي كانت تذيبها وتدمجها
فيها حد الإلغاء.
5. لفظة "ترجمة" في العصر الراهن:
1.5.
اللغة الفرنسية والانتقال من translater إلى traduire:
تقابل لفظة "ترجمة" في اللغة
العربية لفظتان في اللغة الفرنسية: Translater وTraduire.
اللفظة الأولى، Translater، كانت
الأسبق زمانيا إذ كانت اللفظة الوحيدة المستعملة في اللغة الفرنسية للدلالة على
فعل الترجمة في العصور الوسطى ولكنها قبلت، في عصر النهضة الأوروبية، ب"اقتسام"
المهام مع اللفظة الجديدة، Traduire، التي
تفرغت بشكل "شبه كامل" لفعل "النقل الرمزي"
بما في ذلك "النقل الترجمي للنصوص"
وبالتالي مواكبة الخطوات الأولى للتنظير الترجمي والممارسة الترجمية الواعية بينما
احتفظت اللفظة القديمة، Translater، بباقي
المهام البعيدة عن الترجمة.
1.1.5. اللفظة الأولى، Translater :
منذ القرون الوسطى، تجدر استعمال لفظتيTranslater و Translation في اللغة الفرنسية فتكرست
الدلالات اللاتينية الأصلية للكلمة في التداول اللغوي الفرنسي حتى حين انفتحت
اللفظة على مدلولات علمية وتقنية إضافية لكنها ظلت، على العموم، تفيد "النقل"
من لغة إلى أخرى أو من مكان إلى آخر أو
من زمن إلى آخر. فتارة أولى، تدل اللفظة تارة على "النقل"
(نقل الصليب، مثلا). وتارة ثانية، تدل اللفظة على "التنقيل"
(تنقيل السجين، مثلا). وتارة ثالثة، تدل اللفظة على "التحويل
المالي أو العقاري". وتارة رابعة، تدل اللفظة على تبديل موعد أو
تغيير تاريخ أو "تأجيله".
ففي معجمه الصادر في طبعته الأولى عام 1679،
ينص بيير ريشليه صراحة على أن اللفظة "لا تستعمل خارج
المجال الديني". وهي تفيد النقل والتنقيل والانتقال لرجال
الدين وللممتلكات الكنسية كما تفيد التأجيل والتأخير في مواعيد الانشطة
الكنسية. (10) ومع
معجم إيميل ليتريه في القرن التاسع عشر، انضافت دلالات "إدارية"
جديدة ارتبطت في القرن التاسع عشر بلفظة Translater التي صارت تفيد "نقل
سجين من مؤسسة سجنية إلى أخرى" و"نقل عاصمة دولة من مدينة إلى
أخرى" و"نقل ملكية من اسم الى اسم". وبالمقابل، أهمل
معجم ليتريه "التداول الديني" لهذه اللفظة، كما
كان عليه الأمر في معجم ريشليه في القرن السابع عشر. كما كرس
إبعاد اللفظة عن "التداول الثقافي" بحيث صارت Translater تارة "لفظة
قديمة ومهجورة" وتارة أخرى إفادة على "الترجمة الرديئة الوضيعة"
وصارت معها لفظة Translateur تفيد "المترجم
السيء الرديء". وبذلك، حصر إيميل ليتريه اللفظة في
"التداول الإداري"، كما أسلفنا، وفي "التداول العلمي"
(الفيزيائي والرياضي) بحيث صارت اللفظة تفيد دوران الأجسام الفيزيقية في الفضاء
حول جسم آخر أو انزلاق الاشكال الهندسية الرياضية وتزحلقها على ورق التصميم. (11)
على الواجهة "التقنية"،
دلت لفظة Translater / Translationفي مجال الفلك على
دوران الكواكب حول النجوم عكس Tourner autour d’un axe /Rotation التي
تفيد دوران الكواكب حول نفسها. وفي
مجال الهندسة الرياضية، دلت اللفظة على تحول هندسي يتوافق مع الفكرة
البديهية المتمثلة في "انزلاق" موضوع Objet لمسافة
معينة بحيث لا يتأثر هذا الموضوع، بعد انزلاقه، لا من حيث الحجم ولا من حيث الوجهة
ولا من حيث الانعكاس. أما في مجال المعلوميات، فدلت اللفظة على تحويل
كلي أو جزئي لبرنامج معلومياتي مع تعديل، في حالة الضرورة، الإحالة على العناوين
بحيث يمكن تشغيل البرنامج انطلاقا من موضعه الجديد دون تعثر أو عطب.
2.1.5. اللفظة الثانية،Traduire :
استخدام لفظة Tradurre لأول مرة في عصر النهضة الأوروبية كمرادف للفظة Translatare وريثة القرون الوسطى اللاتينية بدأ أولا في إيطاليا ومن ثمة
انتقل إلى فرنسا وبقية أوروبا اللاتينية. وكان أول استعمال للفعل Traduire في اللغة الفرنسية عام 1509 حيث
تجاور استعمال الفعل الجديد Traduire بالفعل
المستعمل آنذاك translater أحيانا
في نفس الفقرة من نفس النص داخل نفس السياق كما هو موثق في نصوص Jehan Divry. مما
يثبت أن اللفظتين كانتا مترادفتين في اللغة الفرنسية عند الدلالة على "الترجمة"
قبل أن تتخلى اللفظة اللاتينية، Translater، عن
مكانها لفائدة اللفظة المستحدثة، Traduire. فقد
اعتبر معجم ريشليه Richelet سنة
1679 لفظة Translation لفظة
قديمة ومهجورة "كانت" تفيد "ترجمة". (12)
ومنذ القرن السادس عشر، تقاسمت، Traduireو Translaterدلالات "النقل" المتضمنة في
جيناتهما اللاتينية. فبينما استأثر الفعل Translater بالدلالات "المادية" للنقل في التداول
العملي والعلمي والتقني، اختص Traduire بالدلالات
"الرمزية" لذلك النقل والتحويل بحيث صارت تقابل فعل "النقل إلى المحاكم" أو "المثول
أمام العدالة". كما صارت تفيد معنى "عكس" ظاهرُه
جوهرَه و"أظهره" و"عبر"عنه. وتفيد أيضا
معنى "فسر" و"شرح". كما أيضا معنى "تحوّل"
و"صار" و"أصبح" و"أمسى". أما
"النقل" الرمزي الأخير الذي يحيل عليه فعل Traduire فهو "نقل" نص من النصوص أو مؤلف
من المؤلفات أو مجموعة مؤلفات كاتب ما من لغة أولى إلى لغة ثانية.
وبجولة في المعاجم الفرنسية، منذ عصر النهضة حتى
اليوم، يمكن تتبع مسار نمو المصطلح الذي اختاره الفرنسيون للدلالة على الترجمة
وتطور المفهوم الذي يشتغل على خلفيته. ففي معجم ريشليه في أواخر
القرن السابع عشر، كانت اللفظة تفيد ، من جهة أولى، "التحويل إلى لغة
مغايرة للغة الأولى في النسخة الأصل" كما تفيد من جهة ثانية
"المرافعة في المحاكم".(13) أما في معجم الأكاديمية الفرنسية،
فاحتكرت لفظة Traduire ،
في السياق الفرنسي، كل الدلالات المرتبطة بالترجمة والتحويل. فهي "تحويل
عمل مكتوب من لغة الى أخرى"، وهي أيضا تفيد "صَيّـرَ" شخصا
ما في صورة مغايرة أو شكل مغاير. (14) كما
تفيد "نقل الأشخاص دون غيرهم من مكان الى آخر". وTraduire هنا تتقاطع مع Translater لكن دون أن تتطابق معها. (15)
في نهاية القرن التاسع عشر، مع معجم ايميل
ليتريه، تعززت الدلالة "القانونية" للفظة
الفرنسية. فبالإضافة إلى "نقل الأظناء والمتهمين والأسرى
والمسجونين وتنقيلهم وانتقالهم"، صارت اللفظة تفيد "المثول أمام
المحاكم"، Traduire en justice. (16) وفي
بداية القرن العشرين، يضيف "معجم لاروس الموسوعي الشامل"
إحالة مجازية للفظة "التمثيل والتعبير والتفسير والدلالة على أمر ما". (17) أما "معجم
لاروس الموسوعي الشامل"، ففكك مورفولوجيا اللفظة الفرنسية Traduire المشتقة من اللفظة اللاتينية Traducere الى trans التي
تفيد ما وراء و ducere التي
تفيد القيادة والايصال لتصبح Traduire دلالة
على النقل الى ثقافة مغايرة والإرسال الى لغة مختلفة. (18) وهو
المقابل الموضوعي للفظة "ترجم" كما هي متداولة في اللغة العربية
اليوم.
وإذا كان بيير ريشليه قد حدد مجال
لفظة في الحقل الديني الكنسي فان كلود لوج في معجمه "معجم
لاروس الموسوعي الشامل" قد حدد للفظة مجالين: المجال الأول "ثقافي"
تحيل فيه اللفظة على الترجمة والثاني "قانوني" "تشريعي"
"قضائي" تحيل فيه اللفظة على النقل والتنقيل والانتقال للمتهمين
والأظناء والأسرى والمسجونين. أما المعجم
الفرنسي روبير، فخص الترجمة بأربعة مداخل: فعل
الترجمة ونتيجتها، نسخة مترجمة عن الأصل، اللفظة المقابلة في اللغة الأصل/الهدف،
والتعبير المادي عن شيء غير مادي كقولنا: "في تفشي الجريمة، ترجمة لانعدام
الأمن". وبالمثل، يفيد الفعل "ترجم" فعل الترجمة
ونتيجتها وكذا التعبير المادي عن اللامادي فضلا عن المثول أمام المحكمة
والقانون. (19)
أما عن تفوق لفظة Traduction على لفظة Translation في السياق اللغوي الفرنسي، فقد يعود ذلك إلى عاملين
اثنين. العامل الأول هو عامل انتمائها الى عائلة لغوية مختلفة
تتكون من ductio ومن الفعل ducere الذي يقابل في اللغة العربية "ساق" conduire و"قاد" mener. وتضم هذه العائلة كلمات من قبيل Induction, Déduction, Production, Reproduction وهي الكلمات
المشكلة لأنظمة التحويل الأربعة: Induction (أو الاستقراء) في
المجال التجريبي كالكيمياء مثلا؛ Déduction )أو الاستنتاج( في
المجال المنطقي الرياضي وحقول المعرفة الأخرى؛ Production (أو الإنتاج) في المجال العملي كالاقتصاد
والتكنولوجيا؛ Traduction (أو الترجمة) في
مجال تحويل النصوص بأنواعها البشرية والآلية، التحريرية والفورية والإشارية،
الحرفية والمعنوية. والأنظمة أربعتها تشترك في كونها تنتهي ب duction. (20)
أما العامل الثاني لتفوق استعمال
لفظة Traduction على لفظة Translation في اللغة الفرنسية منذ عصر النهضة، فكان عامل دينامية اللفظة
الأولى وتعبيريتها مقابل اللفظة الثانية، Translation. ففي الوقت الذي تشدد فيه لفظة Translation على النقل أو التحويل، تؤكد لفظة Traduction على الطاقة والنشاط اللذان يخيمان على حركة النقل هذه فيما
يمكن تسميته بالقوة التحويلية La force transformante. فضلا على كون Traduction نشاط
يفترض وجود فاعل Agent ككل
الكلمات التي تتضمن duction،
بينما Translation هي مجرد عملية عبور غير مُعَرفَة Anonyme. بعبارة أوضح، لفظة Traduction تحيل على عملية "قصدية"، "واعية"
ومُعَدة، منذ عصر النهضة الأوروبية، كعمل محدد واضح المعالم يقدم نفسه بصفته
"ترجمة". (21)
2.5. اللغة الإنجليزية والوفاء
للفظ الأول، to translate
لمعجم أكسفورد (وعنوانه الكامل "معجم إنجليزي جديد
بمقاربة تاريخية") سمعة رفيعة بين معاجم العالم المعاصر قاطبة ليس لكونه
الأضخم من حيث الكم حيث وصل عدد مجلداته العشرين مجلدا وزهاء الألف صفحة لكل
مجلد، وإنما من حيث الكيف حيث تبنى مقاربة مغايرة للنهج الذي أرساه المعجميون
العرب منذ القرن الثامن للميلاد. فقد تبنى معجم أكسفورد الترتيب
الأبجدي للمداخل اللغوية بدل الترتيب المبني على الجذور اللغوية الذي تبنته
المعاجم العربية إلى اليوم. وعزز طريقة عرضه للمواد بإدراج طريقة نطق الكلمة
فونيتيكيا وهو ما لم يكن متداولا في المعاجم الأوروبية الأخرى في الوقت الذي
تستعمل فيه المعاجم العربية "الشكل" لضمان النطق الصحيح للكلمة.
واعتمد منهجا تاريخيا ينبني على تحديد "تاريخ ميلاد" الكلمة
و"تاريخ أفولها" أسوة بسجل الميلاد لدى الأفراد والعائلات
البشرية وهو ما جعل المواد اللغوية في هذا المعجم "مادية"
ودنيوية بعيدا عن كل "إطلاقية" سادت وتسود في المعاجم الأخرى.
كما اعتمد خيار التنويع في الشرح بين إيراد الأمثال والحكم والأقوال والتعابير
الرائجة من جهة والاستشهاد بأبيات شعرية أو تعابير لأدباء مع التنصيص على المرجع
الورقي للعبارة المستشهد بها وهو خيار رفضه المعجميون الفرنسيون الأوائل عند
مناقشة مشروع أول معجم فرنسي في عهد الملك لويس الرابع عشر في القرن السابع عشر،
"معجم الأكاديمية الفرنسية" قبل أن يعودوا إليه في القرن الموالي
مع الطبعات الموالية للمعجم الفرنسي.
يُسَجّلُ أيضا لمعجم أكسفورد نقلُ
الفعل المعجمي من مجال "الفعل المعجمي التطوعي الفردي" الذي ميز
التجربة المعجمية العربية منذ صدور أول معجم في التاريخ في العصر العباسي (بدءً من
الجوهري ومرورا بابن دريد والعسقلاني والزبيدي والفيروز أبادي والفيومي والصفدي
والنووي والقالي والأزهري والسيوطي وكراع النمل وابن سيده والرومي والدمشقي
والرازي والصغاني ووصولا إلى ابن منظور....) إلى مجال "الفعل المعجمي
المؤسسي" المنظم حيث أشرفت "الجمعية الفيلولوجية"
بأكسفورد في القرن التاسع عشر على إعداد مواد المعجم تحت إشراف جيمس هـ.
مري James Murray على مدى سبعة وعشرين عاما. إذ ابتدأ العمل في المعجم سنة
1857 واكتمل سنة 1884 ولعل الإضافة النوعية التي قدمها فريق العمل في هذا المشروع
كانت "تعاونه" مع غيرهم من العلماء والأدباء والفنانين ورجال
الدين دونما خوف في السقوط في فخ "الموسوعية" التي قد تخرجه من
المجال اللغوي الى المجال المعرفي. إذ انفتح الفريق منذ البداية في عمله هذا على
إسهامات فقهاء اللغة والباحثين في اللسانيات المقارنة واللسانيات التاريخية وغيرهم
من الفاعلين حتى اعتبر معجم أكسفورد نقلة تاريخية ثانية في العمل
المعجمي بعد النقلة العربية الأولى التي أسست لهذا العلم ورسخته قبل عشرة قرون من
نضج معجم أكسفورد البريطاني.
تعقب معجم أكسفورد أصل لفظة
"ترجم" في تاريخ اللغة الإنجليزية To Translate حتى
وضع اليد على أصولها اللاتينية. فقد ورث بيزنطيو القرون الوسطى عن الرومان
القدامى الاستعمالات المختلفة للفظة الدالة على الترجمة والنقل، Transferre، والتي كانت صيغة المصدر المضارع بينما كانت صيغة اسم المفعول
هي Translatus والتي تحولت في القرن الحادي عشر للميلاد إلى فعل
لاتيني مستقل جديد يفيد النقل والترجمة: Translatare. ومع صعود نجم اللغات الأوروبية العامية انتقلت اللفظة من
اللاتينية إلى اللغات الغربية الوليدة كاللغة الإنجليزية التي تبنت الفعل To Translate كمقابل
للفظة "ترجم" إلى يومنا هذا. (22) وهذا الفعل الإنجليزي، كما يعرضه معجم
أكسفورد، يفيد معنى "النقل" و"التنقل"
و"الانتقال" و"التنقيل": "النقل المادي"
أو "التنقيل" الذي يستهدف المهنيين والحرفيين ورجال الدين
والمساجين من مكان على آخر، و"النقل المجازي" كنقل الأفكار
والعواطف والآمال والأحلام وتجسيدها، و"النقل الإلهي" أو
"رفع الأنبياء" من خلال نقلهم إلى السماء دون إماتتهم، و"نقل
رفات الأموات من مكان على آخر" إما لتكريمهم أو الانتقام منهم، و"تنقل
جسم فيزيقي حول جسم آخر" أو دورانه حوله، ثم "تنقل"
الأشكال الهندسية أو انزلاقها أو تزحلقها على ورق التصميم، وأخيرا "نقل
النصوص المكتوبة من لغة إلى أخرى". (23) ويضيف "معجم التراث الأمريكي"
دلالات فرعية أخرى للفعل الإنجليزي To Translate:
"التعبير بلغة أخرى مع الاحتفاظ بالمعنى الأصلي"، "الشرح
والتفسير باستعمال كلمات بسيطة"، "التحويل من شكل إلى شكل آخر
ومن أسلوب إلى أسلوب مغاير"، "الاشتغال بالترجمة". (24) ويُعَدّدُ
معجم ويبستر، القاموس الأمريكي المعروف، عدة مداخل/معاني بالنسبة
للمصدر "ترجمة" وهي: فعل الترجمة، حالة الترجمة، منتوج ترجمي،
نسخة مترجمة من نص (مجال العلوم الإنسانية)، تنقيل الأشخاص أو تنقيل الجثث أو رفات
الموتى (معجم كنسي)، نقل الممتلكات (معجم نادر)، نقل الحقوق، التحويل والتحول،
دوران جسم حول جسم آخر (فيزياء)، انزلاق الأشكال الهندسية (رياضيات). (25) أما
بالنسبة للفعل "ترجم" فإن المعاني أكثر تنوعا.
قد يبدو الحقل الدلالي للفظة "ترجمة" Translation في سياقها الأنغلو-ساكسوني أكثر
غنى وثراء من نظيره الفرانكفوني، كما يتبين ذلك من خلال النبش في بطون المعاجم
الوازنة المذكورة آنفا. وقد يبدو أيضا أكثر قدرة على التعبير عن التحويلات
والتحولات المادية والمجازية بشكل واسع، وأن هذا لا يمكن تحقيقه أو تحققه في اللغة
الفرنسية إلا باستعمال لفظة "ترجمة" Traduction من باب المجاز. والحقيقة أن هذا خطأ فادح قد
يقع فيه الباحثون السطحيون كما قد يقع فيه المفكرون الوازنون من طينة المُنَظّرِ
أنطوان بيرمان الذي وازن، بشيء من الظلم، بين اللفظة
الفرنسية Traduire منفصلة وبين اللفظة الإنجليزية To Translate (التي
تقابل في الآن ذاته كل مدلولات اللفظتين الفرنسيتين معا، وهما Translater وTraduire) إذ
َخَلُصَ إلى كون اللفظة الأنغلو-ساكسونية أكثر غنى وثراء ! (26)
ليس من قبيل الصدفة احتفاظ اللغة الإنجليزية
باللفظة اللاتينية الأصل، Translation. فللأمر علاقة وطيدة بالتصور الذي حددته الثقافة
الأنغلو-ساكسونية، منذ القرون الوسطى، للنمط الذي ينبغي أن تسير عليه اللغة
الإنجليزية لتيسير "التواصل" باعتماد نظام "اصطلاحي"
مستوحى من لغة التواصل اليومي. فلطالما اعتُبِرَ التواصلُ، منذ
بداياته، "ترجمة". (27) ولكن ترجمة بأي معنى؟ بالمعنى الفرنسي، Traduction؟ أم بالمعنى الإنجليزي، Translation؟ فَنَحْتُ المصطلح وتحديد الرسم الإملائي عمليات أولية وضرورية
تساير دوما التدقيق في المفاهيم وبنائها. وهي، إن لم تقدم بجلاء ووضوح منذ
البداية، فإنها تحتاج لعمليات مجهدة من النبش والحفر في طبقات تَكْوين المعرفة
وتَكَوّنِها. وهنا، نافذة من نوافذ تاريخ المعارف تفتح لإجلاء العتمة ومحاولة
إنارة جانب من الجواب على السؤال المطروح:
"نيكولا أوريسم الذي كان أول من صك لفظة 'تواصل'
في السياق الفرنسي كان أيضا مُنَظّرَ Transatio Studii. وهذا
منطقي لأن الترجمة والتواصل لا يتعارضان ما دامت Translatio Studii هي
ذاتها عملية تواصلية. لكن، وحدها الثقافة الأنغلو-ساكسونية التي جعلت من لغتها،
على مدى قرون مديدة، لغة تواصلية، سالكة هذا المنحى
بشكل منهجي، ومعتمدة على مخزون اصطلاحي هائل، ومُؤسّسَة لنسيج خطابي أساسي أُطلق
عليه، منذ القرن السادس عشر، اسم 'الأسلوب المُيَسّر' The Plain
Style وهو أسلوب صالح للعب دور قناة إرسال
متعددة الاستعمالات". (28) (ترجمتنا)
هكذا تبدو اللغة الإنجليزية، في جوهرها،
ك"ترجمة". ولهذا السبب، تتبوأ الترجمة دلالة مركزية في
هذه اللغة بالذات. هكذا، أصبحت اللغة الإنجليزية، أولا، الوسيط الأول لإنتاج
المصطلح أو الدال المتخصص القابل للتحويل والترجمة؛ كما صارت، ثانيا، الوسيط
الأساس للاتصالات التكنولوجية عبر العالم حيث تتصرف اللغة الإنجليزية كلغة نموذجية
لباقي اللغات الأخرى الراغبة في أن تصبح لغات اتصال وتواصل؛ وثالثا وأخيرا، صارت
اللغة الإنجليزية الوسيط الرئيسي لنقل النصوص المكتوبة بما صار يصطلح عليه ب"اللغات البعيدة"
مثل اللغة الصينية والهندية واليابانية من خلال تغريب نصوصها وتحويل دلالاتها
لتسهيل تعميمها. (29)
اليوم، وإذا كانت اللغة الإسبانية تعتبر لغة
فونيتيكية تقرأ كما تكتب والعكس بالعكس، فإن اللغة الإنجليزية صارت لغة
ترجمية بامتياز. وقد أصبحت كذلك لأنها تنضبط أساسا لتصور ذاتي مؤسس على
نظام خالص من العلامات القابلة للتبادل والمقايضة. وبالتالي، فكل "ترجمة"
في المجال الأنغلو-ساكسوني يتحكم فيها بالضرورة أفق "الترجمة"
كما حدده، قبل سبعة قرون، نيكولا أوريسم Nicolas Oresme (1320 - 1382). بعبارة أخرى، اللغة الإنجليزية لا تُتَرْجِم
(بكسر الجيم) وإنما هي "تُبادِلُ" و"تُقايِضُ"
لفظة من معجمها بلفظة من اللغة/الهدف والعكس. أي، أنها تُعَمّمُ "المحتويات"
ذات طبيعة قابلة للترجمة. (30)
للفظة "ترجم"، في اللغة
الإنجليزية، عدة مدلولات لكن الدلالة المركزية التي "تتشكل"
على خلفيتها "صورة" الترجمة في السياق الأنغلو-ساكسوني هي تلك
المستخدمة في مجال الفيزياء. ففي الوقت الذي تستخدم اللغة العربية
فعلا واحدا "دَارَ، يدور، دَوَرانا"
للدلالة على دَوَرَان كوكب من الكواكب أولا حول نفسه وثانيا حول نجم جاذب يكون
نواة مجموعة شمسية مفترضة، تستخدم اللغة الإنجليزية فِعْلين اثنين. الفعل الأول هو To Rotate للتعبير عن دوران كوكب حول نفسه. والفعل الثاني هو To Translate للتعبير
عن دوران كوكب حول نجم يشكل مركز المجموعة الشمسية. معنى ذلك، أن اللغة الإنجليزية
تتصور كل كلمة كوكبا كلما "دار" (وهي العبارة
العربية التي تقابل To Translate في مجال الفيزياء بالإنجليزية)، أمكن رؤية المنطقة الجديدة
من ذلك الكوكب والتي كانت قبل لحظات "مخفية" بفعل عوامل الضوء
والظلام أو القرب والبعد أو غيرها. هاتان المنطقتان اللتان تتعاقبان على الظهور
والاختفاء جراء "دوران" الكواكب أو الكلمات هما ما يسمى لسانيا
ب"اللفظة" في اللغة المصدر و"مقابل اللفظة"
في اللغة الأخرى، اللغة الهدف. أي، أن اللغة الإنجليزية تتوقع من كل لفظة في لغة
ما "مقابلا" في لغة أخرى. يكفي فقط "تدوير" To Translate اللفظة
لقراءة مقابل تلك اللفظة على "سطح" اللغة الهدف.
6. في أصل لفظة "ترجمان" وتطورها في
السياق الغربي:
عُرِفَ الترجمان في اللغة اللاتينية القديمة
ك Interpres وهي لفظة مكونة من كلمتين اثنتين وهما كلمة inter- التي تعني "ما بين" وتفيد الوساطة والتوسط
والعلاقات البينية وكلمة Pretium وتعني
"ثمن" أو "قيمة". وقد كانت لفظة Interpres تفيد، من جهة أولى، "الوسيط"؛ ومن جهة
ثانية، كانت تفيد "المرسول" أو "الرسول"؛ ومن
جهة ثالثة، "الشارح" و"المعلق"؛ ومن جهة رابعة،
"المترجم" أو "الترجمان". (31)
اللفظة العربية "ترجمان" كانت
حاضرة أيضا في التداول اللغوي الأوروبي من عصر القرون الوسطى إلى حدود القرن
الثامن عشر. ففي إيطاليا، كان الترجمان يسمى "دراغومانو" Dragomanno وفي إستنبول وفارس وبقية الشرق كانت دروغمان Drogman صفة تطلق على القائم
بعملية الترجمة في قنصليات وسفارات بلاده في الخارج إلى حدود نهاية القرن التاسع
عشر. (32) وقد
استعملت لفظة دراغومان Dragoman ، فضلا عن الإيطالية، في لغات عدة كالألمانية والسويدية
والإسبانية والهولندية والبولونية والرومانية والإنجليزية...
وتشير معاجم هذه اللغات الغربية إلى الأصول
العربية لكلمة Dragoman.
ففي معجم مريام-ويبستر، ورد: "دراغومان لفظة تطلق بشكل خاص على
المترجم الفوري في منطقة الشرق الأدنى. وكان أول استعمال للكلمة في اللغة
الإنجليزية في القرن الرابع عشر." (ترجمتنا) (33) وفي معجم
أوكسفورد، توكيد لما ورد في المعجم السابق الاستشهاد به إذ نقرأ:
"دراغومان هو مترجم فوري أو دليل، خصوصا في الدول الناطقة باللغة العربية أو
التركية أو الفارسية." (ترجمتنا) (34)
أما في فرنسا القرن السادس عشر والسابع عشر
والثامن عشر، فبالتوازي مع استعمال لفظة Dragoman في أغلب لغات أوروبا، فقد شاع في فرنسا استعمال لفظة Truchement أو Trucheman سواء
كمقابل "إيجابي" للفظة العربية "ترجمان" (35) أو كمقابل قدحي، كما استعمله باسكال، للدلالة
على ال "المترجم الفوري الضعيف" أو "المترجم الفوري الخائن" (36) والتوكيد
هنا على صفة "فورية الترجمة" لأن الصيغة القدحية التي كان
الفرنسيون ينعتون بها "المترجم التحريري الرديء" حددها معجم
إيميل ليتريه في لفظة "مغايرة" وهي لفظة Translateur.
لكن، خارج الدلالات الإيجابية والقدحية، فقد أحال
لفظ Truchement أو Trucheman، من
جهة أولى، على "الوسيط" بصفة عامة كما أحال، من جهة ثانية، على
الشخص أو الموظف المنوط به الترجمة الشفهية للحديث الدائر بين شخصين ينتميان
للغتين مختلفتين.
وقد استعمل لفظ Truchement أو Trucheman استعمالا
مجازيا يفيد قدرة الإنسان على إيصال المشاعر والصور عن طريق
الكلام. أما في منتصف القرن العشرين، بُعيْد الحرب العالمية الثانية
وبالتزامن مع إطلاق محاكمات نورنبيرغ، فظهرت الحاجة إلى مترجمين فوريين متخصصين
يربطون الاتصال بين القضاة والمتهمين بارتكاب جرائم حرب وظهرت معها الحاجة إلى
تمييز هذه الفئة من المترجمين عن غيرهم، فتمت العودة إلى المصطلح اللاتيني
القديم Interpres وتم نحته مع تنويع إقليمي رمزي: Interprète في اللغة الفرنسية وInterpreter باللغة الإنجليزية.
خاتمة:
يتضح مما سبق، أن فعل الترجمة في اللغة الإنجليزية
يختلف عنه في اللغة الفرنسية. إنها تعني مقايضة لفظة بلفظة ومبادلة عبارة بعبارة.
ويتطلب ذلك قبل كل شيء أمرين هامين. الأمر الأول هو معرفة كيفية
التمييز بين الأساسي/الصلب في المادة موضوع الترجمة وبين غير
الأساسي/القابل للانزلاق والتزحلق بعيدا نحو حافة النسيان. أما الأمر
الثاني فهو ترجمة المحتوى اللغوي القابل للمبادلة والمقايضة، فلا
يترجم إلا ما يمكن الإمساك به وما له صدى في اللغات الأرضية وما دون
ذلك من محسنات بديعية وزخرف لفظي فيفسح له المجال للاندثار في الأثير. (37) لهذا،
تفترض لفظة Translation،
"الترجمة" بصيغتها الإنجليزية، وجود "محتويات"
عارية من لباسها اللغوي الأصلي في انتظار مبادلتها بألفاظ جديدة وإلباسها لباسا
لغويا جديدا ومبادلتها لغة بلغة.
الفرق بين الرؤية الفرنسية والرؤية
الأنغلو-ساكسونية للترجمة تبدأ من لحظة نحت اللفظة الدالة على الترجمة to translate/traduire وتنتهي
بنتائج تلك الترجمة. وبذلك، تبدو الترجمة الفرنسية traduction أكثر تحررا لكونها تلقي بكل ثقلها على
"عملية" الترجمة لكونها، ككل الأسماء المركبة من duction، هي ذات طبيعة تحويلية تغييرية بشكل
أساسي. ولذلك، ليس من المستغرب كون الثقافة الفرنسية هي التي أنتجت أكثر الأشكال
الترجمية "تحررا" في التاريخ الثقافي الغربي: "الخائنة
الجميلة". وبذلك، فإذا كانت اللغة الإنجليزية تصور الترجمة كتداول
للدلالات "في منآى من الأليف والغريب"، فإن اللغة الفرنسية ترى
في "فعل الترجمة فرصة لترويض الغريب". أي، أن الأنغلوفوني
والفرنكوفوني لا يمكنهما تصور الترجمة بالشكل
ذاته أو ممارسة الترجمة بالطريقة ذاتها. وهذا الاختلاف في
تصور الترجمة مضمن في اللفظ المميز لفعل الترجمة ذاته: traduire في الفرنسية و To Translate في الإنجليزية.
يتضح مما سبق، أن نحت مصطلح يميز فعل الترجمة لا
يختلف لفظيا من لغة الى أخرى بل يختلف أيضا على مستوى المفهوم والتصور في العمل
وفلسفة الاشتغال. وعليه، يصعب تقبلُ مُبَادَلة لفظة translation بلفظة traduction، فهما لا يؤديان نفس الوظيفة ولا يقودان إلى نفس الهدف ما دامت
اللفظة الفرنسية traduire تحويلية
وتنشيطية تهدف لتشكيل "ترجمة حرة (جدا)" بينما اللفظة
الإنجليزية To Translate أكثر اهتماما بالمحتويات لأن أفقها هو تشكيل
"ترجمة حرفية". (38) وهتان الصيغتان في نحت اللفظة ورسمها
الإملائي سيشكلان لاحقا، بدء من القرن التاسع عشر ومرورا بالقرن العشرين ووصولا
القرن الواحد والعشرين، قطبا الترجمة الجاذبين لباقي المدارس
الفرعية. وهذان القطبان سيتخذان فيما بعد عدة أسماء: الترجمة الكمية والترجمة
الكيفية، الترجمة الحرفية والترجمة المعنوية، الترجمة الأمينة والترجمة الحرة...
وفي جميع الحالات، تبقى اللفظتان الفرنسية والإنجليزية، To translate/Traduire، هما البذرتان المشكلتان لفلسفة الترجمة، تنظيرا وممارسة، منذ عصر
النهضة الأوروبية حتى يومنا هذا.
الهوامش:
(1)- Antoine Berman: "De la translation à la traduction". TTR: traduction, terminologie, rédaction, vol.1, n°1, 1988, p. 28.
(2)- Ibid., p. 28.
(3)- J. Lohmann: Philosophie unci Sprachwissentschaft. (Berlin: Dunker und Humblot, 1965). p. 85. Cited in Antoine Berman, Ibid., p. 29.
(4)- Antoine Berman. Op. Cit., p. 29.
(5)- S. Lusignan: Parler vulgairement. (Paris/Montréal, Vrin/Presses de l'Université de Montréal, 1986). pp. 158-159.
(6)- Antoine Berman. Op. Cit., p. 29.
(7)- Sherry Simon: "Conflits de juridiction". Meta. Montréal. Cited in Antoine Berman: Op. Cit., p. 26.
(8)- Aulu-Gelle: Vocabulum graecum vetus traductum in linguam romanam, (Noctes, I, 18, 1).
(9)- Sandra Reinheimer Rîpeanu: Les Emprunts latins dans les langues romanes. (Bucarest/Roumanie: Editura Universitâţii din Bucureşti, vol.1, 2004). p.226:
"traducere signifiait en latin ‘transporter’,
acception largement attestée dans l’italien des premiers siècles, survivant
encore dans l’usage judiciaire (Italian : tradurre in tribunale)
et d’ailleurs fréquente. Mais l’humaniste Leonardo Bruni, par une
interprétation erronée de traducere dans le passage
d’Aulu-Gelle vocabulum graecum vetus traductum in linguam romanam (Noctes,
I, 18, 1) – qui ne signifiait pas ‘traduit’, mais ‘introduit’ –
donna l’essor à une signification nouvelle du mot, celle de ‘transporter d’une
langue à une autre’; jusqu’au XVe siècle, le mot le plus employé pour
‘traduire’ (en latin ainsi qu’en italien, en français) était translatare (avec
sa famille translatio); or, l’extension de traducere avec
l’acception nouvelle fut si forte qu’il gagna toute l’Europe Occidentale ainsi
que le roumain".
(11)- Emile Littré: Dictionnaire de la langue Française. Tome Quatrième (Q-Z). (Paris: Librairie Hachette et C., 1883). p. 2315.
(12)- Antoine Berman. Op. Cit., p. 30.
(13)- Ibid, p.761.
(14)- Dictionnaire de l’Académie Françoise. Tome second (M-Z). Première édition. (Paris: Chez La veuve de Jean-Baptiste Coignard, 1696), page 583.
(15)- Ibid., page 590.
(16)- Emile Littré: Dictionnaire de la langue Française. Op. Cit., page 2294.
(17)- Dictionnaire Larousse Universel. (Tome 2, 1923). page 1124.
(18)- Nouveau Larousse Illustré (Dictionnaire Universel Encyclopédique). Tome Septième. (Paris : Librairie Larousse, N.D.). page 1083.
(19)- Le nouveau Petit Robert (Dictionnaire alphabétique et analogique de la langue française). Texte remanié et amplifié sous la direction de Josette Rey-Debove et Alain Rey. (Paris: Dictionnaires Le Robert, 2001). pp. 2556-2557.
(20)- Michel Serres: La traduction. (Paris: éd. de Minuit, 1974). p. 9.
(21)- Ibid., p. 31.
(22)- A New English Dictionary on Historical Principles (Founded Mainly on the Materials Collected by The Philological Society), Volume X (10/20). Part I (TI-U). (Oxford : Clarendon Press, 1926). p. 265.
(23)- Ibid., pp. 265-266.
(24)- American Heritage Dictionary. (Boston/USA: Houghton Miflin Company, Second College Edition, 1976). page 1288.
(25)- The Merriam-Webster Dictionary. (Springfield/Massachussetts: The Merriam-Webster Incorporated, 2004). p. 760.
(26)- Antoine Berman’s citation:
"Le champ
sémantique de translation n'est pas seulement plus riche que
celui de traduction et plus lié à la translatio latine:
grâce à la polysémie de ce terme, la langue anglaise peut intégrer l'opération
traduisante au champ plus vaste des transformations, et, réciproquement,
interpréter celui-ci en termes de ‘traduction’. Cela, le français ne
peut le faire qu'en employant le mot traduction métaphoriquement".
(27)- Antoine Berman, Op. Cit., p. 32.
(28)- Ibid., p. 32:
"Oresme,
le créateur du terme français communication, était aussi le
théoricien de la translatio studii. Et cela est logique: car
la translatio studii est un processus de communication. Mais
c'est seulement la culture anglo-saxonne qui, au fil des siècles, a fait de sa
langue une langue communicationnelle. Elle l'a fait
méthodiquement, en la dotant d'un énorme stock terminologique, et en créant,
dès le XVIe siècle, un tissu discursif de base, le plain style, apte
à fonctionner comme un médium de transmission polyvalent".
(29)- Ibid., p. 33.
(30)- Ibid., p. 33.
(31)- Félix Gaffiot: Dictionnaire latin français. (Paris: Librairie Hachette, 1934). p. 844.
(32)- Edmond Cary: «Pour une théorie de la traduction». Journal des traducteurs / Translators' Journal, 7 (4), 1962, pp. 118–127.
(33)- drag·o·man | \ˈdra-gə-mən\.
Plural: dragomans or dragomen\ ˈdra-gə-mən\.
Definition of dragoman: an interpreter chiefly
of Arabic, Turkish, or Persian employed especially in the Near East.
First Known Use of dragoman: 14th century.
History and Etymology for dragoman : Middle
English drugeman, from Anglo-French, from Old Italian dragomanno,
from Middle Greek dragomanos, from Arabic tarjumān, from
Aramaic tūrgĕmānā.
(34)- Pronunciation /ˈdraɡəmən/ /ˈdræɡəmən/.
Noun: dragomans, dragomen.
Definition of dragoman: An interpreter or guide, especially in countries speaking Arabic,
Turkish, or Persian.
Origin: Late Middle English from obsolete French, from Italian dragomanno, from
medieval Greek dragoumanos, from Arabic tarjumān ‘interpreter’.
(35)- Danica Seleskovitch: «L'interprète dans les conférences internationales». La Revue des lettres modernes, Cahiers Champollion, n° 1, 1968.
(36)- Blaise Pascal: Les Provinciales (ou Lettres écrites par Louis de Montalte à un provincial de ses amis et aux RR. PP. Jésuites sur le sujet de la morale et de la politique de ces Pères), 1657.
(37)- Hofstadter: Godel Escher Bach. (Paris: Interéditions, 1985), p. XXV.
(38)- Antoine Berman, Op. Cit., p. 34.
بحث منشور بتاريخ يونيو 2021 على صفحات مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية المحكمة،